مُقَدِّمَة:
يمثل القرن الرابع الهجري ـ الموافق للقرن العاشر الميلادي ـ العصر الذي سجل بلوغ الحضارة الإسلامية أوجها، بالرغم مما شهدته هذه المرحلة من تمزُّق سياسي، حيث ظهرت خلافة فاطمية بإفريقية، وأخرى أموية بالأندلس، وثالثة عباسية ببغداد، لم تفلح جميعها ـ بالرغم ما أبدته من قوة ـ في وضع حد للفوضى الداخلية، فضلاً عن فشلها في التصدي للأطماع الخارجية([1]).
إنَّ ما شهدته هذه الفترة من اضطراب سياسي وتدهور اقتصادي، بالعراق على وجه الخصوص، لم يمنع من بروز مناخ فكري مشجع على البحث العلمي، وناصر لكل محاولات الإبداع في مختلف المجالات، بفضل ما أقيم من مؤسسات ثقافية، ورصد من أموال لتحفيز وتكريم ذوي الهمم العالية، وما المناظرة الشيقة التي أوردها التوحيدي في الامتاع والمؤانسة بين أبي سعيد السيرافي ومتى بن يونس في المفاضلة بين النحو العربي والمنطق اليوناني إلا خير دليل على ما حققته مسيرة الفكر من تقدُّم، وبلغته من نضج، ولم يكن الموروث الديني عموماً والحديث النبوي منه على وجه الخصوص بالغائب عما حدث، حيث أصبح الحديث عِلْماً قائماً بذاته، له قواعده، وأصوله، وأعلامه، نذكر من بينهم: محمد بن عمر العقيلي (322هـ ـ 933م)، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي
(327هـ ـ 938م)، وابن حبان البستي (354هـ ـ 965م)، والحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (360هـ ـ 970م)، وسليمان بن أحمد الطبراني (360هـ ـ 970م)، والحاكم النيسابوري (405هـ ـ 1014م)، وغيرهم ممن عاصرهم الدارقطني واستفاد من خبراتهم.
([1]) ابن الأثير (630هـ): الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 8/169، حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي، والديني، والثقافي، والاجتماعي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1964م، ص 235.
حكى لي صديق قديم قصة يعتقد أنها صحيحة، وأنها دليل على التوكُّل؛ قال : كان حطاب في طريقه إلى الجبل كعادته كل يوم يحتطب ويبيع حطبه ليوفي التزاماته ؛ وبينما هو يسير بحذاء الجبل إذ بطائر ضخم يطل برأسه من جحر صغير في الجبل, ماداً رأسه وبقية جسمه محبوسة في الداخل. دار الحطاب حول المكان ليرى المنفذ الذي يدخل منه هذا المخلوق الضخم ويخرج , فلم ير منفذاً. ودار في هذه اللحظة بذهنه هم الرزق ؛ إنه على يقين أن الله يرزق كل حي. ولكن كيف يرزق هذا الطائر ولاسبيل له للبحث الذي يثمر الرزق ؟ وقف الرجل يراقب الطائر ليعرف مصدر رزقه ؛ ولم يلبث طويلاً حتي جاء سرب من الجراد كابساً على فوهة الحجرفالتهم الطائر كفايته من هذا الجراد . الآن عرفت كيف يأْكل هذا الطائر ؛ بقي أن أعرف كيف يشرب ؛ استمر الرجل واقفاً ليري مصدر الماءالذي يشرب منه هذا الطائر ؛ ولم يطل به الوقوف هذه المرة أيضاً ؛ فقد تجمعت سحابة انهمر منهاالمطر وسال أمام الطائر ؛ فشرب حتي روي , إن الله القادر على أن يرزق هذا الطائر في محبسه هذا قادر على أن يرزقني مثله فلن أشقى بعد اليوم في طلب الرزق ؛ هكذا قرر الحطاب وانقلب راجعا إلى بيته . اندهشت زوجته حين جاءها فارغ اليدين، فسألته عن السبب فأخبرها بما رأى وما قرّر ؛ ظنته قد أصيب في عقله فدعت إخوانه وجيرانه ليثنوه عن قراره ؛ ولكنه أصر . وبينما هم في جدالهم حضرت الصلاة , فانفض الاجتماع ليعود إلى الانعقاد بعد الصلاة . توجه الحطاب نحو النهر ليتوضأ للصلاة , بينما هو يتوضأ إذا بصندوق يرسو بجواره ملئ بالذهب ؛ ها قد أتى الرزق من غير تعب، ولكن عليَّ أن أحمله إلى الدار ؛ إن الطائر لم يحمل شيئأ بل أتاه رزقه في مكانه ؛ لا ليس هذا لي ؛ وانصرف الحطاب تاركاً الصندوق وراءه . عاد بعد الصلاة ليجد الاجتماع في انتظاره؛ فأخبرهم بما وجد فرموه مجدداً بالجنون, وساروا إلى النهر ليروا بأعينهم فإذا بالصندوق مستقر بالشاطيء تداعبه الأمواج ؛ ولكنهم حينما فتحوه وجدوه مليئاً بالعقارب ؛ مما أغضبهم وجعلهم يرمونه بالتهم، ثم قرَّ رأيهم على صب هذه العقارب عليه فحملوا الصندوق إلى الدار ووجدوا الحطاب مستلقياً فأفرغوا العقارب عليه؛ ولكنها تحولت في حجره ذهباً كما كانت . الآن أصبح الذهب ملكي أنفق منه كما أشاء.
لقد شاءت لي إرادة المولى، أنْ أعمل لفترة ومدى ، معلماً بمعهد التربية ببخت الرضا ، وأذكر أني قدمت إليه عن رضى ، وأنا قادم من غرب وطني الأقصى ، ومنذ الوهلة الأولى ، وفي المبتدا كُلفت بتقديم دروس نموذجية ، في مضمار اللُّغة العربية ، وكنت وبشهادة ، أمتلك المادة باستجادة، أما الطريقة فقد كانت عندي غليقة ، سيما وأنَّ المعلمين المعنيين ، علمت بأنهم منتقون ومختارون ، " فكيف أعلمهم بضب وهم له يحرشون "؟!
أولاً: توطئة منهجية:
تواجه أي باحث في مثل هذا الموضوع إشكالات إجرائية ذات طبيعة منهجية وأخرى ذات صفة معرفية، في إيجاد أصول علمية لممارسة معاصرة في سيرة الرسول e، وربط تلك الأصول بالواقع المعاصر، ومن ثم إجراء التحليل العلمي وفق هذا الربط . ورغم أن هذه صعوبة متوقعة إلاّ أنها ذات مزالق اجتهادية في مضمار تشخيص الواقع من منظار نافذة التاريخ .
إن علماء فلسفة التاريخ يقولون : "إن التاريخ يعيد نفسه" إلاّ أن الوقائع لا تتكرر بذاتها وصناعها، وإنما في الواقع تتكرر السُنَّة الكونية في تداول الناس لمعضلات الحياة جيلاً بعد جيل، فتكرِّر النفس البشرية خصالها في التعامل مع هذه المعضلات ، بذات الدوافع والغرائز والأخلاق من فضائل ورذائل.
مُقَدِّمَة:
الحمد الله العليم الحكيم الرءوف الرحيم نحمده على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تستقصى، ومن أجلِّها نعمة الإيمان، وتفضَّله علينا بأن جعلنا من أمة خير الأنام u، خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، أمة وسط تهتدي بالقرآن، وتقوم بالغاية التي من أجلها خلقت بعد أن تعرف ربها فتعبده بالخضوع والاستسلام لما شرعه لها.
إن الإنسان مهما امتلك من أسباب القوة؛ فهو يقر بضعفه وحاجته إلى خالقه القوي العزيز الذي هو أقرب إليه من نفسه التي بين جنبيه ووسيلته إلى بارئه الدعاء الذي هو سلاح المؤمن. والسلاح إنما يكون بضاربه، وهذا الضارب لا بُدَّ له من معرفة تامة بهذا السلاح حتى يبلغ به الغاية المنشودة، ولهذا أردت في هذا البحث المتواضع أن أقف على حقيقة الدعاء، ولمن يكون، وكيف يكون، والتعرُّف على الأزمنة والأمكنة التي هي مظنة إجابة الدعوة، وشروط إجابة الدعوة ثم التعرف على نماذج من الصالحين الذين صدقوا الله فصدقهم وأجاب دعاءهم .
مُقَدِّمَة:
الخلوة هي أساس المعرفة والعلم وتنشئة الأجيال، من نزول وحي السماء إلى الأرض على رسول الله e وإلى عهدنا الحاضر. فهي المدرسة الأولى التي يلتحق بها طلاب العلم والمعرفة، يتعلّمون فيها القراءة والكتابة، ويحفظون القرآن الكريم، ثم يكون تعلّمهم العلوم الأخرى بعد حفظهم لكتاب الله الكريم، هكذا كانت حال المسلمين إلى وقت قريب.
الخلوة تتبع نظام التعليم الفردي، الذي يمثِّل فيه كل طالب وحدة أو فصلاً قائماً بذاته غير مرتبط بالآخرين في مقدار ما يتحصل عليه من حفظ للقرآن الكريم، أي لا توجد فوارق زمنية (فصل أولى، ثانية، ثالثة)، بل كل طالب يسير قدر طاقته في الاستيعاب والحفظ.
يشكِّل الإعلام في العصر الحديث أهمية خاصة في تهيئة الرأي العام وتمهيد الطريق لتحقيق كافة الأجندة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية، و تمثِّل الحملات الإعلامية كاسحات الألغام أمام الحملات العسكرية التي تقودها دول الغرب المسيحي والصهيوني ضد دول وشعوب العالم الثالث والعالم الإسلامي على وجه الخصوص.
والمتابع للأحداث العالمية التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م يتيقن تماماً من حقيقة الخطورة التي تكمن وراء استخدام الغرب للإعلام واحتكار إنتاجه ووسائله ومواده للهيمنة على العالم عامة والعالم الإسلامي بصفة خاصة.
مُقَدِّمَة:
الحمد لله رب العالمين، بعث رسوله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً، يتلو عليهم الآيات، ويعلمهم الكتاب الحكمة ويزكيهم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد خلق الله تعالى الخلق لعبادته، وذلك أمر معلوم بالضرورة من الدِّين، وشرع جلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم، قال تعالى [الذاريات: 56].
ولهذا كانت الشريعة غذاء للروح والقلب، والحاجة لها أشد مما سواها من الطعام والشراب وغيرها، إذ هي تكمل وتتمم حاجتهم لخالقهم ومنشئهم.
مُقَدِّمَة:
تشمل هذه المقدمة إجراءات الدراسة من مشكلة، وحدود، وأسئلة، ومنهج، ومصطلحات، ومخطط للبحث. وفيما يلي يتم تناولها بالتفصيل.